Friday, December 19th, 2025

أمازون تعيد رسم الخريطة: من السيطرة على تجارة مصر الإلكترونية إلى حروب الذكاء الاصطناعي العالمية

في تحرك استراتيجي مزدوج يعكس طموحات الشركة التي لا تتوقف، أعلنت شركة أمازون عن خطوات حاسمة لترسيخ نفوذها في السوق المصري محلياً، بالتوازي مع محاولات مستميتة لفرض وجودها في قطاع الذكاء الاصطناعي عالمياً عبر ضخ استثمارات مليارية، مما يرسم ملامح جديدة لمستقبل الشركة على الصعيدين التجاري والتقني.

حقبة جديدة للتجارة في مصر

أعلنت عملاق التجارة الإلكترونية رسمياً عن نيتها إطلاق موقع “أمازون مصر” (Amazon.eg) خلال العام الجاري، في خطوة طال انتظارها تمثل تحولاً جذرياً عن العلامة التجارية “سوق دوت كوم” التي استحوذت عليها الشركة في عام 2017. وبموجب هذا الإعلان، فتحت الشركة الباب أمام البائعين المحليين للتسجيل عبر أداة “Amazon Seller Central”، مع إتاحة الفرصة لشركاء “سوق” الحاليين لنقل نشاطهم بسلاسة إلى المنصة العالمية الجديدة، مستفيدين من البنية التحتية الضخمة التي تمتلكها الشركة.

تمتلك أمازون في مصر بالفعل بنية لوجستية قوية قوامها 15 محطة توصيل وفريق عمل يتجاوز 3000 موظف، ومن المتوقع أن يؤدي إطلاق الموقع الجديد إلى توسعات كبيرة وتغيير ملموس في أنماط الاستثمار، حيث يتجه السوق بقوة نحو الرقمنة وإغلاق منافذ البيع التقليدية لصالح التجارة الإلكترونية.

فرص ذهبية للشركات الصغيرة

يرى الخبير الاقتصادي أحمد معطي أن هذه الخطوة جاءت في توقيت مثالي يتماشى مع توجهات الحكومة المصرية لدعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة. وتشير البيانات إلى أن حوالي 50% من مبيعات أمازون العالمية، التي حققت إيرادات قياسية في 2020، تأتي من هذا النوع من الشركات. وتوفر أمازون لهذه الكيانات الصغيرة ميزة تنافسية هائلة بفضل امتلاكها لأكبر مستودعات تخزين في العالم، مما يزيح عن كاهل البائعين أعباء التخزين وتكاليف الشحن والتسويق.

وجود أمازون بشكلها الرسمي سيعزز روح المنافسة والابتكار في السوق المصري، وسيكون دافعاً للشباب لخوض غمار ريادة الأعمال، مما يصب في النهاية في مصلحة المستهلك الذي سيبدأ في جني ثمار هذه المنافسة قريباً.

مغامرة المليارات في وادي السيليكون

وبينما تعزز أمازون قبضتها على الأسواق الناشئة كمصر، تخوض الشركة معركة من نوع آخر في الولايات المتحدة لضمان موطئ قدم في سباق الذكاء الاصطناعي المحتدم. فقد كشفت تقارير اقتصادية عن نية الشركة استثمار ما يقرب من 10 مليارات دولار في شركة “OpenAI”، المطورة لـ “ChatGPT”.

يأتي هذا التحرك في وقت تواجه فيه “OpenAI” تحديات في الحفاظ على صدارتها مع ظهور منافسين أقوياء مثل “Gemini” من جوجل، وشركات أخرى واعدة مثل “Anthropic” و”xAI”. ورغم أن “OpenAI” قد لا تحقق أرباحاً فعلية قبل عام 2029 وفقاً لبعض التقديرات، إلا أن أمازون تبدو مصممة على شراء طريقها إلى قمة هذا المجال، حتى لو وصف بعض المحللين الأمر بأنه محاولة للحاق بقطار قد يكون “فقاعة” وشيكة الانفجار.

صراع الرقائق ومناورة الـ “Round-Tripping”

الهدف الحقيقي خلف كواليس صفقة الـ 10 مليارات دولار ليس مجرد استثمار مالي، بل هو محاولة لكسر هيمنة شركة “Nvidia” التي تتربع على عرش رقائق الذكاء الاصطناعي بقيمة سوقية تريليونية. تسعى أمازون من خلال هذه الصفقة لإقناع “OpenAI” باستخدام رقائقها الخاصة بدلاً من الاعتماد الكلي على “Nvidia”، وهو ما يطلق عليه في عالم المال “Round-Tripping”؛ أي أن تستثمر الشركة المال في كيان آخر، ليقوم هذا الكيان بدوره بشراء منتجات الشركة المستثمرة بنفس الأموال.

ورغم أن “OpenAI” ترتبط بعقود طويلة الأمد مع عمالقة مثل “Broadcom” و”Oracle”، إلا أن مصلحتها الاستراتيجية تقتضي عدم البقاء تحت رحمة مورد واحد للرقائق، مما يجعل صفقة أمازون مغرية للطرفين، حتى وإن كانت أمازون لا تزال لاعباً صغيراً في سوق الرقائق مقارنة بالوحش “Nvidia”.